بسم الله الرحمن الرحيم
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :
"إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ .." مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
والحديث هنا لن يكون عن أهمية النية ؛ فالحديث السابق فيه الدلالة الكافية على أهمية استصحابها قبل الشروع في أي عمل ويكفي من ذلك أنها ركن في كل الطاعات التي أمرنا الله بها إذ أن عدم تقديمها يبطل العمل من الأصل !
وعليه فإن العاقل لا يغرّه كثرة العمل بقدر ما يرغب في تحصيل
قبوله وما الفائدة من عظمة العمل إن أعقبها كما قال تعالى :
{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً }الفرقان23
إنما حديثنا هو عن اهمية تجديد النية :
فهل تبلى النية حتى نجددها ؟!
نعم إخوتي في الله ؛ النية كالثوب الجديد يبدو زاهيا باهيا حين ترتديه أول مرة ثم يزول رونقه مع الغسيل الأول... ويذهب لونه الغسيل الثاني...ويخرج الغسيل الثالث خيوطه...وهكذا إلى أن يصبح باليا أو ممزقا لا يصلح للاستعمال !!..هذا حال الثوب! فهل ترضى أن يكون هذا حال نيتك؟؟
أقصد هل تسمح أن تضيع منك أعمال أنت في أمس
الحاجة إليها يوم العرض بسبب أن نيتك بليت ؟!
فكيف تبلى النية ؟
حين نهم بعمل ما لأول مرة تكون نياتنا صادقة صالحة نرجوا بها رضى الله ولكن مع الوقت قد تحيط بنا ظروف أو شبهات تنقص من إخلاص نيتنا هذا إن لم تذهب بها بالكلية وتجعلها نفاقا و رياءا..
والنية كما الثوب لا تبلى دفعة واحدة فلا يقولن مغتر نيتي خالصة والحمد لله أفلا خبرتها لتتأكد؟؟
أو تظن الشيطان يأتي ليقول لك :صم ليقال صائم أو قل ليقال قائم؟
أبدا...ما هذه حيلته ولو كان هكذا لصددناه منذ الوهلة الأولى
مداخل الشيطان خفية فهو يأتيك دون شعور ويذهب بإخلاص قلبك شيئا فشيئا.
دعني أقول أن حديثي عن تجديد النية لا يقتصر فقط على تخليصها من شوائب الرياء والنفاق فهذا وإن كان مطلوبا وذو أهمية قصوى إلا أن الأحاديث عنه كثيرة والتصانيف فيه أكثر ؛ حديثي هنا لأصحاب الهمم :
للذين لا ينتظرون فساد النية لإصلاحها بل
لا يسمحون بنزولها عن قمة الإخلاص قيد أنملة
الحديث عن تجديد النية غايته تعاهدها الدائم لتبقى كما الأول
خالصة صادقة تدعوك لكل خير وتجعلك تستسهل كل صعب
فالله الله في النية إخوتي الكرام
اختبر نيتك
انظر إلى عملك هل ما زلت تشعر بلذته كما حين شرعت فيه ؟
أم أنه صار آليا بلا طعم؟
ولنقرب الصورة أكثر.......
في حياتنا الدعوية أفعالنا هل هي بنفس النية التي بدأنا بها الدعوة أول مرة ؟ أم أن الهدف تغير؟ إبراز نشاط؟زيادة شهرة؟؟اكتساب أجرة؟ هل هذه هي النية التي استصحبتها بداية ؟؟
أجزم أنها لا
فما الذي غيرها ؟! أو فلنقل ما الذي أبلاها ؟!
أنا أجيبك:
عدم تعاهدها
أصلحناها ابتداءا ثم اتكلنا
وغفلنا من كونها قد تبلى
جدد نيتك
غذها...تعاهدها...لا تتركها للزمن ولا تغفل عنها احرص على أن تبقى كما أول مرة جديدة...نقية ...زاهية...تدفعك للمزيد من العمل...للمزيد من الطاعة...دعها ترقى بك في سلم الفضائل فإنها إن بليت هوت بك إلى أدنى المنازل
لا تجعلها تبلى ..اعزم الآن...وجدد نيتك .
ماذا قال السلف الصالح ؟!
قال الفضل بن زياد : سألت أبا عبد الله يعني أحمد عن النية في العمل قلت كيف النية ؟ قال : يعالج نفسه إذا أراد عملا لا يريد به الناس.
وقال يحيى بن أبي كثير: تعلموا النية، فإنها أبلغ من العمل.
وقال سفيان الثوري: ما عالجت شيئا أشد على من نيتي، لأنها تنقلب علي.
وقال زبيد اليامي: إني لأحب أن تكون لي نية في كل شيء، حتى في الطعام والشراب.
قال مطرف بن عبدالله: صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية.
وقال الفضيل بن عياض: إنما يريد الله منك نيتك وإرادتك.
وقال بعض السلف: من سره أن يكمل له عمله فليحسن نيته، فإن الله عز وجل يأجر العبد إذا حسنت نيته، حتى باللقمة.
**********************
اللهم تقبل عملنا هذا ؛أو
كما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضـي الله عنه :
اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله
لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا.
اللهم آمين
[منقول بتصرف ]